الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ هَذِهِ أُخْتِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشرح: قوله (باب إذا قال لامرأته وهو مكره: هذه أختي، فلا شيء عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال إبراهيم لسارة هذه أختي، وذلك في ذات الله) قال ابن بطال: أراد بذلك رد من كره أن يقول لامرأته يا أختي، وقد روى عبد الرزاق من طريق أبي تميمة الهجيمي " مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول لامرأته. يا أخية، فزجره " قال ابن بطال: ومن ثم قال جماعة من العلماء: يصير بذلك مظاهرا إذا قصد ذلك، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل. قال: وليس بين هذا الحديث وبين قصة إبراهيم معارضة، لأن إبراهيم إنما أراد بها أخته في الدين، فمن قال ذلك ونوى أخوة الدين لم يضره. قلت: حديث أبي تميمة مرسل، وقد أخرجه أبو داود من طريق مرسلة، وفي بعضها " عن أبي تميمة عن رجل من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم " وهذا متصل، وذكر أبو داود قبله حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وسارة، فكأنه وافق البخاري، وقد قيد البخاري بكون قائل ذلك إذا كان مكرها لم يضره وتعقبه بعض الشراح بأنه لم يقع في قصة إبراهيم إكراه، وهو كذلك لكن لا تعقب على البخاري لأنه أراد بذكر قصة إبراهيم الاستدلال على أن من قال ذلك في حالة الإكراه لا يضره قياسا على ما وقع في قصة إبراهيم، لأنه إنما قال ذلك خوفا من الملك أن يغلبه على سارة، وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية إلا بخطبة ورضا، بخلاف المتزوجة فكانوا يغتصبونها من زوجها إذا أحبوا ذلك كما تقدم تقريره في الكلام على الحديث في المناقب، فلخوف إبراهيم على سارة قال إنها أخته وتأول أخوة الدين، والله أعلم. (تنبيه) : أورد النسفي في هذا الباب جميع ما في الترجمة التي بعده، وعكس ذلك أبو نعيم في المستخرج " والله أعلم. *3* لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَتَلَا الشَّعْبِيُّ لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَبِكَ جُنُونٌ وَقَالَ عَلِيٌّ بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا بَدَا بِالطَّلَاقِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَقَالَ نَافِعٌ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ فَإِنْ سَمَّى أَجَلًا أَرَادَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِنْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ نِيَّتُهُ وَطَلَاقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ إِذَا قَالَ إِذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا قَالَ الْحَقِي بِأَهْلِكِ نِيَّتُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ وَالْعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي نِيَّتُهُ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ مَا نَوَى وَقَالَ عَلِيٌّ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَقَالَ عَلِيٌّ وَكُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الشرح: قوله (باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق، والشرك وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى) اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء. وحديث الأعمال بهذا اللفظ وصله المؤلف في كتاب الإيمان أول الكتاب، ووصله بألفاظ أخرى في أماكن أخرى، وتقدم شرحه مستوفي هناك. وقوله الإغلاق هو بكسر الهمزة وسكون المعجمة الإكراه على المشهور، قيل له ذلك لأن المكره يتغلق عليه أمره ويتضيق عليه تصرفه، وقيل هو العمل في الغضب، وبالأول جزم أبو عبيد وجماعة، وإلى الثاني أشار أبو داود فإنه أخرج حديث عائشة " لا طلاق ولا إعتاق في غلاق " قال أبو داود: والغلاق أظنه الغضب، وترجم على الحديث " الطلاق على غيظ " ووقع عنده بغير ألف في أوله، وحكى البيهقي أنه روى على الوجهين، ووقع عند ابن ماجه في هذا الحديث الإغلاق بالألف وترجم عليه " طلاق المكره " فإن كانت الرواية بغير أنف هي الراجحة فهو غير الإغلاق، قال المطرزي: قولهم إياك والغلق أي الضجر والغضب، ورد الفارسي في " مجمع الغرائب " على من قال الإغلاق الغضب وغلطه في ذلك وقال: إن طلاق الناس غالبا إنما هو في حال الغضب. وقال ابن المرابط: الإغلاق حرج النفس، وليس كل من وقع له فارق عقله، ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه: كنت غضبانا ا هـ. وأراد بذلك الرد على من ذهب إلى أن الطلاق في الغضب لا يقع، وهو مروي عن بعض متأخري الحنابلة ولم يوجد عن أحد من متقدميهم إلا ما أشار إليه أبو داود، وأما قوله في " المطالع " الإغلاق الإكراه وهو من أغلقت الباب، وقيل الغضب وإليه ذهب أهل العراق، فليس بمعروف عن الحنفية، وعرف بعلة الاختلاف المطلق إطلاق أهل العراق على الحنفية، وإذا أطلقه الفقيه الشافعي فمراده مقابل المراوزة منهم. ثم قال: وقيل معناه النهي عن إيقاع الطلاق البدعي مطلقا، والمراد النفي عن فعله لا النفي لحكمه، كأنه يقول بل يطلق للسنة كما أمره الله. وقول البخاري " والكره " هو في النسخ بضم الكاف وسكون الراء، وفي عطفه على الإغلاق نظر، إلا إن كان يذهب إلى أن الإغلاق الغضب، ويحتمل أن يكون قبل الكاف ميم لأنه عطف عليه السكران فيكون التقدير باب حكم الطلاق في الإغلاق وحكم المكره والسكران والمجنون إلخ. وقد اختلف السلف في طلاق المكره، فروى ابن أبي شيبه وغيره عن إبراهيم النخعي أنه يقع، قال لأنه شيء افتدى به نفسه، وبه قال أهل الرأي، وعن إبراهيم النخعي تفصيل آخر إن ورى المكره لم يقع وإلا وقع. وقال الشعبي: إن أكرهه اللصوص وقع وإن أكرهه السلطان فلا أخرجه ابن أبي شيبة، ووجه بأن اللصوص من شأنهم أن يقتلوا من يخالفهم غالبا بخلاف السلطان. وذهب الجمهور إلى عدم اعتبار ما يقع فيه، واحتج عطاء بآية النحل وأما قوله " والسكران " فسيأتي ذكر حكمه في الكلام على أثر عثمان في هذا الباب، وقد يأتي السكران في كلامه وفعله بما لا يأتي به وهو صاح لقوله تعالى ثم رأيت سلف شيخنا وهو قول ابن بطال وقع في كثير من النسخ " والنسيان في الطلاق والشرك " وهو خطأ والصواب " والشك " مكان الشرك ا هـ، ففهم شيخنا من قوله في كثير من النسخ أن في بعضها للفظ الشك فجزم بذلك. واختلف السلف في طلاق الناسي فكان الحسن سراه كالعمد إلا إن اشترط فقال إلا أن أنسى أخرجه ابن أبي شيبة. وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن عطاء أنه كان لا يراه شيئا ويحتج بالحديث المرفوع الآتي كما سأقرره بعد وهو قول الجمهور، وكذلك اختلف في طلاق المخطئ فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع، وعن الحنفية ممن أراد أن يقول لامرأته شيئا فسبقه لسانه فقال أنت طالق يلزمه الطلاق، وأشار البخاري بقوله " الغلط والنسيان " إلى الحديث الوارد عن ابن عباس مرفوعا " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فإنه سوى بين الثلاثة في التجاوز، فمن حمل التجاوز على رفع الإثم خاصة دون الوقوع في الإكراه لزم أن قول مثل ذلك في النسيان، والحديث قد أخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان. واختلف أيضا في طلاق المشرك فجاء عن الحسن وقتادة وربيعة أنه لا يقع، ونسب إلى مالك وداود. وذهب الجمهور إلى أنه يقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من أحكامه. قوله (وتلا الشعبي: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ورويناه موصولا في " فوائد هناد بن السري الصغير " من رواية سليم مولى الشعبي عنه بمعناه. قوله (وما لا يجوز من إقرار الموسوس) بمهملتين والواو الأولى مفتوحة والثانية مكسورة. قوله (وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أقر على نفسه: أبك جنون) ؟ هو طرف من حديث ذكره المصنف في هذا الباب بلفظ " هل بك جنون " وأورده في الحدود، ويأتي شرحه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى. ووقع في بعض طرقه ذكر السكر. قوله (وقال علي: بقر حمزة خواصر شارفي) الحديث هو طرف من الحديث الطويل في قصة الشارفين وقد تقدم شرحه مستوفى في غزوة بدر من كتاب المغازي. و " بقر " بفتح الموحدة وتخفيف القاف أي شق، والخواصر بمعجمة ثم مهملة جمع خاصرة، وقوله في آخره " إنه ثمل " بفتح المثلثة وكسر الميم بعدها لأم أي سكران، وهو من أقوى أدلة من لم يؤاخذ السكران بما يقع منه في حال سكره من طلاق وغيره، واعترض المهلب بأن الخمر حينئذ كانت مباحة، قال: فبذلك سقط عنه حكم ما نطق به في تلك الحال، قال: وبسبب هذه القصة كان تحريم الخمر ا هـ. وفيما قاله نظر، أما أولا فإن الاحتجاج من هذه القصة إنما هو بعد مؤاخذة السكران بما يصدر منه، ولا يفترق الحال بين أن يكون الشرب مباحا أو لا، وأما ثانيا فدعواه أن تحريم الخمر كان بسبب قصة الشارفين ليس بصحيح، فإن قصة الشارفين كانت قبل أحد اتفاقا لأن حمزة استشهد بأحد وكان ذلك بين بدر وأحد عند تزويج علي بفاطمة وقد ثبت في الصحيح أن جماعة اصطبحوا الخمر يوم أحد واستشهدوا ذلك اليوم، فكان تحريم الخمر بعد أحد لهذا الحديث الصحيح. قوله (وقال عثمان: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق) وصله ابن أبي شيبة عن شبابة، ورويناه في الجزء الرابع من " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " عن آدم بن أبي إياس كلاهما عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال " قال رجل لعمر بن عبد العزيز: طلقت امرأتي وأنا سكران، فكان رأي عمر بن عبد العزيز مع رأينا أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته، حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: ليس على المجنون ولا على السكران طلاق، قال عمر: تأمرونني وهذا يحدثني عن عثمان؟ فجلده، ورد إليه امرأته " وذكر البخاري أثر عثمان ثم ابن عباس استظهارا لما دل عليه حديث علي في قصة حمزة، وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز، ذكره ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحه، وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني، واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال: والسكران معتوه بسكره. وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة، وعن الشافعي قولان: المصحح منهما وقوعه، والخلاف عند الحنابلة لكن الترجيح بالعكس. وقال ابن المرابط: إذا تيقنا ذهاب عقل السكران. لم يلزمه طلاق، وإلا لزمه. وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة أن لا يعلم ما يقول، وهذا التفصيل لا يأباه من يقول بعدم طلاقه، وإنما استدل من قال بوقوعه مطلقا بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك، ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر أو فيه، وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره، إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام، وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا. وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه فافترقا. وقال ابن بطال: الأصل في السكران العقل، والسكر شيء طرأ على عقله، فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت ذهاب عقله. قوله (وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور جميعا عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المزني عن عكرمة عن ابن عباس قال " ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق " المضطهد: بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء ثم مهملة هو المغلوب المقهور، وقوله "ليس بجائز " أي بواقع، إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا اختيار للمستكره. قوله (وقال عقبة بن عامر: لا يجوز طلاق الموسوس) أي لا يقع، لأن الوسوسة حديث النفس، ولا مؤاخذة بما يقع في النفس كما سيأتي. قوله (وقال عطاء: إذا بدأ بالطلاق فله شرطه) تقدم مشروحا في " باب الشروط في الطلاق " وتقدم عن عطاء وسعيد بن المسيب والحسن، وبينت من وصله عنهم ومن خالف في ذلك. قوله (وقال نافع: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بتت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء) أما قوله " البتة " فإنه بالنصب على المصدر. قال الكرماني هنا قال النحاة: قطع همزة البتة بمعزل عن القياس ا هـ، وفي دعوى أنها يقال بالقطع نظر فإن ألف البتة ألف وصل قطعا، والذي قاله أهل اللغة البتة القطع وهو تفسيرها بمرادفها لا أن المراد أنها تقال بالقطع، وأما قوله " بتت " فبضم الموحدة وتشديد المثناة المفتوحة على البناء للمجهول، ومناسبة ذكر هذا هنا - وإن كانت المسائل المتعلقة بالبتة تقدمت - موافقة ابن عمر للجمهور في أن لا فرق في الشرط بين أن يتقدم أو يتأخر، وبهذا تظهر مناسبة أثر عطاء وكذا ما بعد هذا. وقد أخرج سعيد بن منصور من وجه صحيح عن ابن عمر أنه قال " في الخلية والبتة ثلاث ثلاث". قوله (وقال الزهري فيمن قال إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا: يسأل عما قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين، فإن سمى أجلا أراده وعقد عليه قلبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته) أي يدين فيما بينه وبين الله تعالى، أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرا ولفظه " في الرجلين يحلفان بالطلاق والعتاقة على أمر يختلفان فيه ولم يقم على واحد منهما بينه " على قوله قال: يدينان ويحملان من ذلك ما تحملا. وعن معمر عمن سمع الحسن مثله. قوله (وقال إبراهيم: إن قال لا حاجة لي فيك نيته) أي إن قصد طلاقا طلقت وإلا فلا، قال ابن أبي شيبة حدثنا حفص هو ابن غياث عن إسماعيل عن إبراهيم في رجل قال لامرأته لا حاجة لي فيك قال: نيته. وعن وكيع عن شعبة سألت الحكم وحمادا قالا: إن نوى طلاقا فواحدة، وهو أحق بها. قوله (وطلاق كل قوم بلسانهم) وصله ابن أبي شيبة قال " حدثنا إدريس قال حدثنا ابن أبي إدريس وجرير فالأول عن مطرف والثاني عن المغيرة كلاهما عن إبراهيم قال: طلاق العجمي بلسانه جائز " ومن طريق سعيد بن جبير قال " إذا طلق الرجل بالفارسية يلزمه". قوله (وقال قتادة: إذا قال إذا حملت فأنت طالق ثلاثا يغشاها عند كل طهر مرة، فإن استبان حملها فقد بانت منه) وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة مثله لكن قال " عند كل طهر مرة ثم يمسك حتى تطهر " وذكر بقيته نحوه، ومن طريق أشعث عن الحسن " يغشاها إذا طهرت من الحيض ثم يمسك عنها إلى مثل ذلك " وقال ابن سيرين " يغشاها حتى تحمل " وبهذا قال الجمهور، واختلفت الرواية عن مالك: ففي رواية ابن القاسم إن وطئها مرة بعد التعليق طلقت سواء استبان بها حملها أم لا، وإن وطئها في الطهر الذي قال لها ذلك بعد الوطء طلقت مكانها. وتعقبه الطحاوي بالاتفاق على أن مثل ذلك إذا وقع في تعليق العتق لا يقع إلا إذا وجد الشرط، قال: فكذلك الطلاق فليكن. قوله (وقال الحسن: إذا قال الحقي بأهلك نيته) وصله عبد الرزاق بلفظ " هو ما نوى " وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن " في رجل قال لامرأته أخرجي استبرئي، اذهبي لا حاجة لي فيك هي تطليقة إن نوى الطلاق". قوله (وقال ابن عباس: الطلاق عن وطر، والعتاق ما أريد به وجه الله) أي أنه لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته إلا عند الحاجة كالنشوز، بخلاف العتق فإنه مطلوب دائما، والوطر بفتحتين الحاجة، قال أهل اللغة: ولا يبنى منها فعل. قوله (وقال الزهري: إن قال ما أنت بامرأتي نيته، وإن نوى طلاقا فهو ما نوى) وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري " في رجل قال لامرأته لست لي بامرأة قال: هو ما نوى " ومن طريق قتادة " إذا واجهها به وأراد الطلاق فهي واحدة " وعن إبراهيم " إن كرر ذلك مرارا ما أراه أراد إلا الطلاق " وعن قتادة " إن أراد طلاقا طلقت " وتوقف سعيد بن المسيب. وقال الليث " هي كذبة " وقال أبو يوسف ومحمد " لا يقع بذلك طلاق". قوله (وقال علي: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ) وصله البغوي في " الجعديات " عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس " أن عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى، فأراد أن يرجمها فقال له علي: أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة " فذكره، وتابعه ابن نمير ووكيع وغير واحد عن الأعمش، ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه، وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان مرفوعا وموقوفا لكن لم يذكر فيهما ابن عباس، جعله عن أبي ظبيان عن علي ورجح الموقوف على المرفوع، وأخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور، لكن اختلفوا في إيقاع طلاق الصبي، فعن ابن المسيب والحسن يلزمه إذا عقل وميز، وحده عند أحمد أن يطيق الصيام ويحصى الصلاة، وعند عطاء إذا بلغ اثنتي عشرة سنة، وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام. قوله (وقال علي: وكل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) وصله البغوي في " الجعديات " عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة " أن عليا قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه " وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن جماعة من أصحاب الأعمش عنه صرح في بعضها بسماع عابس ابن ربيعة من علي، وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة مثل قول علي وزاد في آخره " المغلوب على عقله " وهو من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدا. والمراد بالمعتوه - وهو بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو بعدها هاء - الناقص العقل، فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران؛ والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه، وفيه خلاف قديم ذكر ابن أبي شيبة من طريق نافع أن المحبر بن عبد الرحمن طلق امرأته وكان معتوها فأمرها ابن عمر بالعدة، فقيل له: إنه معتوه، فقال: إني لم أسمع الله استثنى للمعتوه طلاقا ولا غيره. وذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي وإبراهيم وغير واحد مثل قول علي. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ قَالَ قَتَادَةُ إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ الشرح: قوله (حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي. قوله (عن زرارة) تقدم القول فيه في أوائل العتق، وذكرت فيه بعض فوائده، ويأتي بقيتها في كتاب الإيمان والنذور، وقوله "ما حدثت به أنفسها " بالفتح على المفعولية، وذكر المطرزي عن أهل اللغة أنهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها، وقد أسند الإسماعيلي عن عبد الرحمن بن مهدي قال ليس عند قتادة حديث أحسن من هذا، وهذا الحديث حجة في أن الموسوس لا يقع طلاقه والمعتوه والمجنون أولى منه بذلك، واحتج الطحاوي بهذا الحديث للجمهور فيمن قال لامرأته أنت طلاق ونوى في نفسه ثلاثا أنه لا يقع إلا واحدة - خلافا للشافعي ومن وافقه - قال: لأن الخبر دل على أنه لا يجوز وقوع الطلاق بنية لا لفظ معها، وتعقب بأنه لفظ بالطلاق ونوى الفرقة التامة فهي نية صحبها لفظ؛ واحتج به أيضا لمن قال فيمن قال لامرأته يا فلانة ونوى بذلك طلاقها أنها لا تطلق، خلافا لمالك وغيره، لأن الطلاق لا يقع بالنية دون اللفظ ولم يأت بصيغة لا صريحة ولا كناية، واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأته لأنه عزم بقلبه وعمل بكتابته وهو قول الجمهور، وشرط مالك فيه الإشهاد على ذلك، واحتج من قال: إذا طلق نفسه طلقت - وهو مروي عن ابن سيرين والزهري - وعن مالك رواية ذكرها أشهب عنه وقواها ابن العربي، بأن من اعتقد الكفر بقلبه كفر ومن أصر على المعصية أثم، وكذلك من راءى بعمله وأعجب، وكذا من قذف مسلما بقلبه، وكل ذلك من أعمال القلب دون اللسان. وأجيب بأن العفو عن حديث النفس من فضائل هذه الأمة، والمصر على الكفر ليس منهم، وبأن المصر على المعصية الآثم من تقدم له عمل المعصية لا من لم يعمل معصية قط، وأما الرياء والعجب وغير ذلك فكله متعلق بالأعمال. واحتج الخطابي بالإجماع على أن من عزم على الظهار لا يصير مظاهرا قال: وكذلك الطلاق، وكذا لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفا، ولو كان حديث النفس يؤثر لأبطل الصلاة، وقد دل الحديث الصحيح على أن ترك الحديث مندوب فلو وقع لم تبطل، وتقدم البحث في الصلاة في ذلك في قول عمر " إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة " الحديث الثاني حديث جابر في قصة الذي أقر بالزنا فرجم، ذكرها من طريق يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، ويأتي شرحه مستوفى في كتاب الحدود، والمراد منه ما أشار إليه في الترجمة من قوله " هل بك جنون " فإن مقتضاه أنه لو كان مجنونا لم يعمل بإقراره، ومعنى الاستفهام هل كان بك جنون أو هل تجن تارة وتفيق تارة؟ وذلك أنه كان حين المخاطبة مفيقا. ويحتمل أن يكون وجه له الخطاب والمراد استفهام من حضر ممن يعرف حاله، وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى. الحديث الثالث حديث أبي هريرة في القصة المذكورة، أوردها من طريق شعيب عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب جميعا عن أبي هريرة، وسيأتي شرحها أيضا في الحدود، وقوله في هذه الرواية " أن الآخر قد زنى " بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة أي المتأخر عن السعادة وقيل معناه الأرذل. قوله (وقال قتادة إذا طلق في نفسه فليس بشيء) وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن قالا: من طلق سرا في نفسه فليس طلاقه ذلك بشيء، وهذا قول الجمهور وخالفهم ابن سيرين وابن شهاب فقالا تطليق، وهي رواية عن مالك. (تنبيه) : وقع هذا الأثر عن قتادة في رواية النسفي عقب حديث قتادة المرفوع المذكور هنا بعد، فلما ساقه من طريق قتادة عن زرارة عن أبي هريرة فذكر الحديث المرفوع قال بعده " قال قتادة " فذكره. ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْأَخِرَ قَدْ زَنَى يَعْنِي نَفْسَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْأَخِرَ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ بِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ الشرح: قوله (وعن الزهري قال فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله) هو معطوف على قوله " شعيب عن الزهري إلخ " وقد تقدم من رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة فيحتمل أن يكون أبهمه لما حدث به شعيبا، ويحتمل أن يكون هذا القدر عنده عن غير أبي سلمة فأدرج في رواية يونس عنه، وقوله في هذه الزيادة " أذلقته " بذال معجمة وقاف أي أصابته بحدها، وقوله "جمز " بفتح الجيم والميم وبزاي أي أسرع هاربا *3* وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ الظَّالِمُونَ وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا وَقَالَ طَاوُسٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ الشرح: قوله (باب الخلع) بضم المعجمة وسكون اللام، وهو في اللغة فراق الزوجة على مال، مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنى، وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي. وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أنه أول خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب - بفتح المعجمة وكسر الراء ثم موحدة - زوج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه، فشكا إلى أبيها فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، قال فزعم العلماء أن هذا كان أول خلع في العرب ا هـ. وأما أول خلع في الإسلام فسيأتي ذكره بعد قليل. ويسمى أيضا فدية وافتداء. وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور فإنه قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئا لقوله تعالى أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه، وتعقب مع شذوذه بقوله تعالى في النساء أيضا وهو مكروه إلا في حال مخافة أن لا يقيما - أو واحد منهما - ما أمر به، وقد ينشأ ذلك عن كراهة العشرة إما لسوء خلق أو خلق، وكذا ترفع الكراهة إذا احتاجا إليه خشية حنث يئول إلى البينونة الكبرى. قوله (وكيف الطلاق فيه) أي هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق إما باللفظ وإما بالنية، وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردا عن الطلاق لفظا ونية ثلاثة آراء وهي أقوال للشافعي: أحدها ما نص عليه في أكثر كتبه الجديدة أن الخلع طلاق وهو قول الجمهور، فإذا وقع بلفظ الخلع وما تصرف منه نقص العدد، وكذا إن وقع بغير لفظه مقرونا بنيته، وقد نص الشافعي في " الإملاء " على أنه من صرائح الطلاق، وحجة الجمهور أنه لفظ لا يملكه إلا الزوج فكان طلاقا، ولو كان فسخا لما جاز على غير الصداق كالإقالة، لكن الجمهور على جوازه بما قل وكثر فدل على أنه طلاق. والثاني وهو قول الشافعي في القديم ذكره في " أحكام القرآن " من الجديد أنه فسخ وليس بطلاق، وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق، وعن ابن الزبير، ما يقويه، وقد استشكله إسماعيل القاضي بالاتفاق على أن من جعل أمر المرأة بيدها ونوى الطلاق فطلقت نفسها طلقت، وتعقب بأن محل الخلاف ما إذا لم يقع لفظ طلاق ولا نية وإنما وقع لفظ الخلع صريحا أو ما قام مقامه من الألفاظ مع النية فإنه لا يكون فسخا تقع به الفرقة ولا يقع به طلاق، واختلف الشافعية فيما إذا نوى بالخلع الطلاق وفرعنا على أنه فسخ هل يقع الطلاق أو لا؟ ورجح الإمام عدم الوقوع، واحتج بأنه صريح في بابه وجد نفاذا في محله فلا ينصرف بالنية إلى غيره، وصرح أبو حامد والأكثر بوقوع الطلاق، ونقله الخوارزمي عن نص القديم قال: هو فسخ لا ينقص عدد الطلاق إلا أن ينويا به الطلاق " ويخدش فيما اختاره الإمام أن الطحاوي نقل الإجماع على أنه إذا نوى بالخلع الطلاق وقع الطلاق، وأن محل الخلاف فيما إذا لم يصرح بالطلاق ولم ينوه. والثالث إذا لم ينو الطلاق لا يقع به فرقة أصلا ونص عليه في " الأم " وقواه السبكي من المتأخرين، وذكر محمد ابن نصر المروزي به " كتاب اختلاف العلماء " أنه آخر قولي الشافعي. قوله (وقوله عز وجل: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) زاد غير أبي ذر " إلى قوله الظالمون " وعند النسفي بعد قوله يخافا " الآية " ويذكر ذلك يتبين تمام المراد وهو بقوله " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " وتمسك بالشرط من قوله " فإن خفتم " من منع الخلع إلا إذا حصل الشقاق من الزوجين معا، وسأذكر في الكلام على أثر طاوس بيان ذلك. قوله (وأجاز عمر الخلع دون السلطان) أي بغير إذنه، وصله ابن أبي شيبة من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال " أتى بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه، فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني: قد أتى عمر في خلع فأجازه " وأشار المصنف إلى خلاف في ذلك أخرجه سعيد بن منصور " حدثنا هشيم أنبأنا يونس عن الحسن البصري قال: لا يجوز الخلع دون السلطان " وقال حماد بن زيد " عن يحيى بن عتيق عن محمد ابن سيرين: كانوا يقولون " فذكر مثله، واختاره أبو عبيد واستدل بقوله تعالى (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله) وبقوله تعالى ثم الذي ذهب إليه مبني على أن وجود الشقاق شرط في الخلع والجمهور على خلافه وأجابوا عن الآية بأنها جرت على حكم الغالب، وقد أنكر قتادة هذا على الحسن فأخرج سعيد بن أبي عروبة في " كتاب النكاح " عن قتادة بن الحسن فذكره، قال قتادة: ما أخذ الحسن هذا إلا عن زياد، يعني حيث كان أمير العراق لمعاوية: قلت: وزياد ليس أهلا أن يقتدي به. قوله (وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها) العقاص بكسر المهملة وتخفيف القاف وآخره صاد مهملة جمع عقصه وهو ما يربط به شعر الرأس بعد جمعه، وأثر عثمان هذا رويناه موصولا في " أمالي أبي القاسم بن بشران " من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل " عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان " وأخرجه البيهقي من طريق روح بن القاسم عن ابن عقيل مطولا وقال في آخره " فدفعت إليه كل شيء حتى أجفت الباب بيني وبينه " وهذا يدل على أن معنى " دون " سوى، أي أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى عقاص رأسها. وقال سعيد بن منصور " حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم: كان يقال الخلع ما دون عقاص رأسها " وعن سفيان " عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يأخذ من المختلعة حتى عقاصها " ومن طريق قبيصة بن ذويب " إذا خلعها جاز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. ثم تلا: فلا جناح عليهما فيما افتدت به " وسنده صحيح. ووجدت أثر عثمان بلفظ آخر أخرجه ابن سعد في ترجمة الربيع بنت معوذ من " طبقات النساء " قال أنبأنا يحيى بن عباد حدثنا فليح بن سليمان حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل " عن الربيع بنت معوذ قالت: كان بيني وبين ابن عمي كلام، وكان زوجها، قالت فقلت له: لك كل شيء وفارقني. قال: قد فعلت. فأخذ والله كل شيء حتى فراشي، فجئت عثمان وهو محصور فقال: الشرط أملك، خذ كل شيء حتى عقاص رأسها " قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاه. وقال مالك: لم أر أحدا ممن يقتدي به يمنع ذلك. لكنه ليس من مكارم الأخلاق. وسيأتي ذكر حجة القائلين بعدم الزيادة في الكلام على حديث الباب. قوله (وقال طاوس: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة) هذا التعليق اختصره البخاري من أثر وصله عبد الرزاق قال " أنبأنا ابن جريج أخبرني ابن طاوس وقلت له: ما كان أبوك يقول في الفداء؟ قال: كان يقول ما قال الله تعالى (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) ولم يكن يقول قول السفهاء: لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة، ولكنه يقول إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة". قال ابن التين: ظاهر سياق البخاري أن قوله " ولم يقل إلخ " من كلامه، ولكن قد نقل الكلام المذكور عن ابن جريج، قال: ولا يبعد أن يكون ظهر له ما ظهر لابن جريج. قلت: وكأنه لم يقف على الأثر موصولا فتكلف ما قال، والذي قال " ولم يقل " هو ابن طاوس، والمحكي عنه النفي هو أبوه طاوس، وأشار ابن طاوس بذلك إلى ما جاء عن غير طاوس وأن الفداء لا يجوز حتى تعصى المرأة الرجل فيما يرومه منها حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة، وهو منقول عن الشعبي وغيره، أخرج سعيد بن منصور عن هشيم " أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن امرأة قالت لزوجها: لا أطيع لك أمرا ولا أبر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة، قال: إذا كرهته فليأخذ منها وليخل عنها". وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن في قوله (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) قال: ذلك في الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة. ومن طريق حميد بن عبد الرحمن قال " يطيب الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة. نحوه " ومن طريق علي نحوه ولكن بسند واه، والظاهر أن المنقول في ذلك عن الحسن وغيره ما هو إلا على سبيل المثال ولا يتعين شرطا في جواز الخلع، والله أعلم. وقد جاء عن غير طاوس نحو قوله، فروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم أنه سئل عن قوله تعالى (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) قال فيما افترض عليهما في العشرة والصحبة. ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: لا يحل له الفداء حتى يكون الفساد من قبلها، ولم يكن يقول لا يحل له حتى تقول لا أبر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة. الحديث: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الشرح: قوله (حدثني أزهر بن جميل) هو بصري يكنى أبا محمد، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين، ولم يخرج عنه البخاري في " الجامع " غير هذا الموضع، وقد أخرجه النسائي أيضا عنه، وذكر البخاري أنه لم يتابع على ذكر ابن عباس فيه كما سيأتي، لكن جاء الحديث موصولا من طريق أخرى كما ذكره في الباب أيضا. قوله (حدثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء. قوله (إن امرأة ثابت بن قيس) أي ابن شماس بمعجمة ثم مهملة خطيب الأنصار، تقدم ذكره في المناقب، وأبهم في هذه الطريق اسم المرأة وفي الطرق التي بعدها، وسميت في آخر الباب في طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا جميلة، ووقع الرواية الثانية أن أخت عبد الله بن أبي يعني كبير الخزرج ورأس النفاق الذي تقدم خبره في تفسير سورة براءة وفي تفسير سورة المنافقين، فظاهره أنها جميلة بنت أبي ويؤيده أن في رواية قتادة عن عكرمة عن ابن عباس " أن جميلة بنت سلول جاءت " الحديث أخرجه ابن ماجه والبيهقي، وسلول امرأة اختلف فيها هل هي أم أبي أو امرأته. ووقع في رواية النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وبذلك جزم ابن سعد في " الطبقات " فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي أسلمت وبايعت وكانت تحت حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة فقتل عنها بأحد وهي حامل فولدت له عبد الله بن حنظلة فخلف عليها ثابت بن قيس فولدت له ابنه محمدا ثم اختلعت منه فتزوجها مالك بن الدخشم ثم خبيب بن أساف، ووقع في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته، الحديث أخرجه الدار قطني والبيهقي وسنده قوي مع إرساله، ولا تنافي بينه وبين الذي قبله لاحتمال أن يكون لها اسمان أو أحدهما لقب، وإن لم يؤخذ بهذا الجمع فالموصول أصح، وقد اعتضد بقول أهل النسب أن اسمها جميلة، وبه جزم الدمياطي وذكر أنها كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقة أمهما خولة بنت المنذر بن حرام. قال الدمياطي والذي وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم. قلت: ولا يليق إطلاق كونه وهما فإن الذي وقع فيه أخت عبد الله بن أبي وهي أخت عبد الله بلا شك، لكن نسب أخوها في هذه الرواية إلى جده أبي كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدتها سلول، فبهذا يجمع بين المختلف من ذلك. وأما ابن الأثير وتبعه النووي فجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد الله بن أبي وهم وأن الصواب أنها أخت عبد الله بن أبي، وليس كما قالا بل الجمع أولى، وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتا خالع الثنتين واحدة بعد أخرى، ولا يخفى بعده، ولا سيما مع اتحاد المخرج. وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهورا، والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحا. وجاء في اسم امرأة ثابت بن قيس قولان آخران أحدهما أنها مريم المغالية أخرجه النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق " حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت اختلعت من زوجي " فذكرت قصة فيها " وإنما تبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية، وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه " وإسناده جيد، قال البيهقي: اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت، ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى. وتسميتها مريم يمكن رده للأول لأن المغالية وهي بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة وهي امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديا، فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة، ومنهم عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت وجماعة من الخزرج، فإذا كان آل عبد الله بن أبي من بني مغالة فيكون الوهم وقع في اسمها، أو يكون مريم اسما ثالثا، أو بعضها لقب لها. والقول الثاني في اسمها أنها حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة عند بابه في الغلس [قال] : من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل. قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس. لزوجها " الحديث، وأخرجه أصحاب السنن الثلاثة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه، وأخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم " عن عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت " قال ابن عبد البر اختلف في امرأة ثابت بن قيس، فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل. قلت: والذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، بخلاف ما وقع من الاختلاف في تسمية جميلة ونسبها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف قيه إلى الوفاق، وسأبين اختلاف القصتين عند سياق ألفاظ قصة جميلة. وقد أخرج البزار من حديث عمر قال " أول مختلعة في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس الحديث، وهذا على تقدير التعدد يقتضي أن ثابتا تزوج حبيبة قبل جميلة، ولو لم يكن في ثبوت ما ذكره البصريون إلا كون محمد بن ثابت بن قيس من جميلة لكان دليلا على صحة تزوج ثابت بجميلة. (تنبيه) : وقع لابن الجوزي في تنقيحه أنها سهلة بنت حبيب، فما أظنه إلا مقلوبا، والصواب حبيبة بنت سهل، وقد ترجم لها ابن سعد في " الطبقات " فقال: بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث، وساق نسبها إلى مالك ابن النجار وأخرج حديثها عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال " كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس، وكان في خلقه شدة " فذكر نحو حديث مالك وزاد في آخره " وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن يتزوجها ثم كره ذلك لغيرة الأنصار وكره أن يسوءهم في نسائهم. قوله (أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس) في رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب وهي التي علقت هنا ووصلها الإسماعيلي " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري". وفي رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة في هذه القصة " فقالت بأبي وأمي " أخرجها البيهقي. قوله (ما أعتب عليه) بضم المثناة من فوق، ويجوز كسرها من العتاب يقال عتبت على فلان أعتب عتبا والاسم المعتبة، والعتاب هو الخطاب بالإدلال. وفي رواية بكسر العين بعدها تحتانية ساكنة من العيب وهي أليق بالمراد. قوله (في خلق ولا دين) بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز إسكانها، أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، زاد في رواية أيوب المذكورة " ولكني لا أطيقه " كذا فيه لم يذكر مميز عدم الطاقة، وبينه الإسماعيلي في روايته ثم البيهقي بلفظ " لا أطيقه بغضا " وهذا ظاهره أنه لم يصنع بها شيئا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن تقدم من رواية النسائي أنه كسر يدها، فيحمل على أنها أرادت أنه سيء الخلق، لكنها ما تعيبه بذلك بل بشيء آخر. وكذا وقع في قصة حبيبة بنت سهل عند أبي داود أنه ضربها فكسر بعضها لكن لم تشكه واحدة منهما بسبب ذلك، بل وقع التصريح بسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه " كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما، فقالت: والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه " وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال " بلغني أنها قالت: يا رسول الله بي من الجمال ما ترى، وثابت رجل دميم " وفي رواية معتمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس " أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته. ففرق بينهما". قوله (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر، وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر ويأمرها به نفاقا بقولها " لا أعتب عليه في دين " فتعين الحمل على ما قلناه. ورواية جرير بن حازم في أواخر الباب تؤيد ذلك حيث جاء فيها " إلا أني أخاف الكفر " وكأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه، وهي كانت تعرف أن ذلك حرام لكن خشيت أن تحملها شدة البغض على الوقوع فيه، ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج. وقال الطيبي: المعنى أخاف على نفسي في الإسلام ما ينافي حكمه من نشوز وفرك وغيره مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها إذا كان بالضد منها، فأطلقت على ما ينافي مقتضى الإسلام الكفر. ويحتمل أن يكون في كلامها إضمار، أي إكراه لوازم الكفر من المعاداة والشقاق والخصومة. ووقع في رواية إبراهيم بن طهمان " ولكني لا أطيقه " وفي رواية المستملي " ولكن " وقد تقدم ما فيه. قوله (أتردين) في رواية إبراهيم بن طهمان " فتردين " والفاء عاطفة على مقدر محذوف. وفي رواية جرير بن حازم " تردين " وهي استفهام محذوف الأداة كما دلت عليه الرواية الأخرى. قوله (حديقته) أي بستانه، ووقع في حديث عمر أنه كان أصدقها الحديقة المذكورة ولفظه " وكان تزوجها على حديقة نخل". قوله (قالت نعم) زاد في حديث عمر " فقال ثابت أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال نعم". قوله (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب، ووقع في رواية جرير بن حازم " فردت عليه وأمره بفراقها " واستدل بهذا السياق على أن الخلع ليس بطلاق، وفيه نظر فليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه، فإن قوله " طلقها إلخ " يحتمل أن يراد طلقها على ذلك فيكون طلاقا صريحا على عوض، وليس البحث فيه إنما الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع أو ما كان في حكمه من غير تعرض لطلاق بصراحة ولا كناية هل يكون الخلع طلاقا وفسخا؟ وكذلك ليس فيه التصريح بأن الخلع وقع قبل الطلاق أو بالعكس، نعم في رواية خالد المرسلة ثانية أحاديث الباب " فردتها وأمره فطلقها " وليس صريحا في تقديم العطية على الأمر بالطلاق، بل يحتمل أيضا أن يكون المراد إن أعطتك طلقها، وليس فيه أيضا التصريح بوقوع صيغة الخلع، ووقع في مرسل أبي الزبير عند الدار قطني " فأخذها له وخلى سبيلها " وفي حديث حبيبة بنت سهل " فأخذها منها وجلست في أهلها " لكن معظم الروايات في الباب تسميته خلعا، ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس " أنها اختلعت من زوجها " أخرجه أبو داود والترمذي. قوله (قال أبو عبد الله) هو البخاري. قوله (لا يتابع فيه عن ابن عباس) أي لا يتابع أزهر بن جميل عن ذكر ابن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره، ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد وهو ابن عبد الله الطحان عن خالد وهو الحذاء عن عكرمة مرسلا ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلا وعن أيوب موسولا، ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الإسماعيلي. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا وَقَالَ تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلِّقْهَا وَعَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ الشرح: قوله في هذه الرواية (لا أطيقه) تقدم بيانه وهو في جميع النسخ بالقاف، وذكر الكرماني أن في بعضها أطيعه " بالعين المهملة وهو تصحيف. ثم أشار البخاري إلى أنه اختلف على أيوب أيضا في وصل الخبر وإرساله فاتفق إبراهيم بن طهمان وجرير بن حازم على وصله، وخالفهما حماد بن زيد فقال " عن أيوب عن عكرمة " مرسلا. ويؤخذ من إخراج البخاري هذا الحديث في الصحيح فوائد: منها أن الأكثر إذا وصلوا وأرسل الأقل قدم الواصل ولو كان الذي أرسل أحفظ، ولا يلزم منه أنه تقدم رواية الواصل على المرسل دائما. ومنها أن الراوي إذا لم يكن في الدرجة العليا من الضبط ووافقه من هو مثله اعتضد وقاومت الروايتان رواية الضابط المتقن. ومنها أن أحاديث الصحيح متفاوتة المرتبة إلى صحيح وأصح. وفي الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا، وأن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها. وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين: لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا، أخرجه ابن أبي شيبة، وكأنهما لم يبلغهما الحديث. واستدل ابن سيرين بظاهر قوله تعالى ثم ظهر لي قاله ابن سيرين توجيه، وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدي منه. فوقع النهي عن ذلك إلا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدي منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويطلقها، فليس في ذلك مخالفة للحديث لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها، واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا، وإن وقع من أحدهما لا يندفع الإثم، وهو قوي موافق لظاهر الآيتين ولا يخالف ما ورد فيه، وبه قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين، وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخافة إليهما لذلك، وعن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتا هل أنت كارهها كما كرهتك أم لا؟ وفيه أن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق على مال فطلقها وقع الطلاق. فإن لم يقع الطلاق صريحا ولا نوياه ففيه الخلاف المتقدم من قبل. واستدل لمن قال بأنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة، ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي في قصة امرأة ثابت بن قيس " فأمرها أن تعتد بحيضة " وعند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث الربيع بنت معوذ " أن عثمان أمرها أن تعتد بحيضة " قال " وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس " وفي رواية للنسائي والطبري من حديث الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس ضرب امرأته - فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره - خذ الذي لها وخل سبيلها، قال: نعم، فأمرها أن تتربص حيضة وتلحق بأهلها " قال الخطابي في هذا أقوى دليل لمن قال أن الخلع فسخ وليس بطلاق، إذ لو طلاقا لم تكتف بحيضة للعدة ا هـ. وقد قال الإمام أحمد إن الخلع فسخ. وقال في رواية: وإنها لا تحل لغير زوجها حتى بمضي ثلاثة أقراء. فلم يكن عنده بين كونه فسخا وبين النقص من العدة تلازم، واستدل به على أن الفدية لا تكون إلا بما أعطى الرجل المرأة عينا أو قدرها لقوله صلى الله عليه وسلم "أتردين عليه حديقته " وقد وقع في رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في آخر حديث الباب عند ابن ماجه والبيهقي " فأمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفي رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد قال أيوب لا أحفظ " ولا تزدد " ورواه ابن جريج عن عطاء مرسلا ففي رواية ابن المبارك وعبد الوهاب عنه " أما الزيادة فلا"، زاد ابن المبارك عن مالك وفي رواية الثوري " وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى " ذكر ذلك كله البيهقي، قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج بذكر ابن عباس فيه أخرجه أبو الشيخ قال: وهو غير محفوظ، يعني الصواب إرساله. وفي مرسل أبي الزبير عند الدار قطني والبيهقي " أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟ قالت، نعم وزيادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة فلا، ولكن حديقته، قالت نعم. فأخذ ماله وخلى سبيلها " ورجال إسناده ثقات. وقد وقع في بعض طرقه سمعه أبو الزبير من غير واحد فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما سبق، لكن ليس فيه دلالة على الشرط، فقد يكون ذلك وقع على سبيل الإشارة رفقا بها. وأخرج عبد الرزاق عن علي " لا يأخذ منها فوق ما أعطاها " وعن طاوس وعطاء والزهري مثله، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق. وأخرج إسماعيل بن إسحاق عن ميمون بن مهران " من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان " ومقابل هذا ما أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال " ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا " وقال مالك لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق وبأكثر منه لقوله تعالى وقال الشافعي: إذا كانت غير مؤدية لحقه كارهة له حل له أن يأخذ، فإنه يجوز أن يأخذ منها ما طابت به نفسا بغير سبب فبالسبب أولى. وقال إسماعيل القاضي: ادعى بعضهم أن المراد بقوله تعالى وفيه أن الخلع جائز في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها أحائض هي أم لا؟ لكن يجوز أن يكون ترك دلك لسبق العلم به أو كان قبل تقريره فلا دلالة فيه لمن يخصه من منع طلاق الحائض، وهذا كله تفريع على أن الخلع طلاق. وفيه أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك لحديث ثوبان " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان؛ ويدل على تخصيصه قوله في بعض طرقه " من غير ما بأس " ولحديث أبي هريرة " المنتزعات والمختلعات هن المنافقات " أخرجه أحمد والنسائي، وفي صحته نظر لأن الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي هريرة، لكن وقع في رواية النسائي: قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث. وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا إلا من حديث أبي هريرة، وهو تكلف، وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط وصار يرسل عنه غير ذلك فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث العقيقة كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن الحسن مرسلا لم يذكر فيه أبا هريرة. وفيه أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى أن المعتبر ما رواه لا ما رآه، لأن ابن عباس روى قصة امرأة ثابت بن قيس الدالة على أن الخلع طلاق وكان يفتي بأن الخلع ليس بطلاق، لكن ادعى ابن عبد البر شذوذ ذلك عن ابن عباس إذ لا يعرف له أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس، وفيه نظر لأن طاوسا ثقة حافظ فقيه فلا يضره تفرده، وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول. ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخا. نعم أخرج إسماعيل القاضي بسند صحيح عن ابن أبي نجيح " أن طاوسا لما قال إن الخلع ليس بطلاق أنكره عليه أهل مكة، فاعتذر وقال: إنما قاله ابن عباس " قال إسماعيل: لا نعلم أحدا قاله غيره ا هـ. ولكن الشأن في كون قصة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقا. (تكميل) : نقل ابن عبد البر عن مالك أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها، وأن المفتدية التي افتدت ببعض مالها، وأن المبارئة التي بارأت زوجها قبل الدخول. قال ابن عبد البر: وقد يستعمل بعض ذلك موضع بعض الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الشرح: قوله (حدثنا قراد) بضم القاف وتخفيف الراء وآخره دال مهملة وهو لقب واسمه عبد الرحمن بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي وأبو نوح كنيته، وهو من كبار الحفاظ وثقوه، ولكن خطئوه في حديث واحد حدث به عن الليث خولف فيه، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، ووقع عنده في آخره " فردت عليه وأمره ففارقها " كذا فيه " فردت عليه " بحذف المفعول والمراد الحديقة التي وقع ذكرها. ووقع عند الإسماعيلي من هذا الوجه " فأمر أن يأخذ ما أعطاها ويخلي سبيلها".
|